خلاصة
في نهاية هذه الجولة، نلاحظ أن تعابير الخلاص عند حزقيال تنتظم حول ثلاثة عوامل رئيسية: الله، شعبه، والأمم. ولا يجب أن ننسى دور النبيّ الذي يؤمّن، بشكل من الأشكال، نقطة التلاقي بين الثلاثة. في الواقع، إن كلمة الله المنقولة بواسطة النبي، تتوسّط بين يهوه وشعبه، وتوجّه أحياناً إلى الأمم مباشرة. والمحور الأساسي يذكّرنا بحضور إله العهد الفاعل بقرب شعبه. عند حزقيال، يبادر يهوه لإعلان ذاته بواسطة كلمته، على أنه المخلّص الوحيد لبيت إسرائيل في مواجهة العالم الوثني. هذا التدخل إلهي، رغم كثرة تعرّضه للنقد، له بعد كوفي. فيهوه لا يبغي خلاص شعبه وحسب، بل خلاص جميع الذين يعترفون به من خلال أعماله الخلاصية لصالح من يشاركونه في العهد.
إن معرفة يهوه تتمّ بواسطة أحداث التاريخ. فتقلّبات هذه الأحداث بشكل مأساوي تسمح بأن نجد فيها دعوة إلى معرفة يهوه كإله أوحد، وهذا يعني الارتداد. وهذا الأمر يضمن الخلاص والمحافظة على إسرائيل بهويّته السياسيّة- الدينيّة بين الأمم. إن إمكانيّة نيل الخلاص بيهوه كانت حاضرة دائماً في نبوءة حزقيال، حتى قبل سقوط أورشليم. ليس الابن مضطراً بعد الآن، أن يدفع ثمن خطيئة أبيه، فهو حرّ في اختياره السير مع يهوه أو ضدّه. إن دعوة النبي تخضع لارتداد ذاك الذي يسمعها، وجّعل الإنسان الذي يرفضها مسؤولاً (ف 18).
عندما يخرج مجد يهوه من الهيكل، يفقد يهوذا كل حماية، ويبرز الفصل بين الضياع والخلاص بشكل جذريّ (ف 8- 11). ومع ذلك، يُظهر الله هنا مظهراً من كيانه: إن ترك أورشليم والانتقال إلى أرض وثنيّة، ليس مرتبطاً بهيكل أو مدينة، بل بشعب. وحياة هذا الشعب مرتبطة بحضور الربّ في وسطه. ورجاء المنفيّين يمكن أن يتجدّد لأن يهوه لم يتركهم. هذه النظرة الكونيّة تتعارض مع الاهتمام المبالغ فيه بالهويّة الوطنيّة المحدّدة بأرض وعبادة وشعب يقوده ملك من سلالة داود، خادم يهوه. سيرجع الله إلى أورشليم ويعيد إليها بيت إسرائيل. وإسرائيل المسحوق والهالك (37: 1- 14)، لن يتشتت بعد الآن بفضل يهوه الذي سيجمعه من جديد (ف 34) فوق أرضه، ويقيم عليه راعياً من سلالة داود (34: 23...، 37: 24....) كعلامة للوحدة المحقّقة مجدّداً (37: 15- 28). وسيكون للشعب قلب جديد، وسيتطهّر بالماء، ويتبدّل بالروح (11: 16- 19؛ 36: 25- 28). هكذا يرى حزقيال أن خروج الله ورجوعه، لا يتعلّقان إلا بطهارة طويّة الشعب تجاهه.
يُترجَم العمل الخلاصي ليهوه، بخلق شعب جديد يكون قادراً على قول "نعم" لكل الوصايا. في هذا الإطار المتجدّد، تعبّر تصرفاتُ إسرائيل عن تبادل مُعاش بينه وبين الله. أما الخلاص فهو متعلّق بالمسامحة التي تقوم بالدخول إلى قلب الإنسان لتحريره من خطيئته، وفتح مستقبل جديد أمامه. إن حزقيال، في رؤياه، يجعل خلاص إسرائيل وردّة فعل الأمم يتحرّكان معاً: إن تهجير إسرائيل فهمته الأمم كمساس بقداسة إله إسرائيل وتنجيس له. وحين أنقذ شعبه، ظهر مجده. ومجد الله يجب أن يبرز أمام أعين الأمم.
إن غنى لاهوت الخلاص هذا، غذّى التأمل اليوحناويّ الذي نذكره هنا. فمن بين الصور التي طبّقها الإنجيل على يسوع، نذكر صورة "الراعي الصالح" (ف حز 34 ويو 10)، وعطيّة "الروح" (ق حز 37: 1- 14 ويو 19: 30)، "والينبوع" (ق حز 47: 1 ب: "المياه تخرج من تحت عتبة البيت اليمنى" ويو 19: 34 "ولكن واحداً من الجنود طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء").
ولن ننسى كذلك أن حزقيال هو ينبوع الفكرة الرؤيوية. فمنه استمدّت رؤيا يوحنا بعض الأفكار. وإنجيل يوحنا أعاد قراءة فكرة حزقيال، وتبصرّ فيها على ضوء هذه العبارة: يسوع الذي مات ثم قام.