أ- الله وإسرائيل: تاريخ لا يتوقّف
1- 17: 1- 24
إنّ ف 17 يقع بين نبوءتين أخريين، تبدآن بعبارة متداولة عند حزقيال: "وكان إليَّ كلام الرب قائلاً" (17: 1؛ 16: 1؛ 18: 1). ينتج عن ذلك أن ف 17 هو وحدة مستقلَّة.
2- الإطار
يتعلّق ف 17 بالحقبة الأولى من مهمّة حزقيال، والواقعة بين 3: 22 و24: 27، أي قبل سقوط أورشليم. هذا القسم يجمع النبوءات التي تُنذر بالعقاب. ضمن هذا الإطار، يواجه إسرائيل تجارب قاسية، المنفى، والتهديدات بدمار أورشليم الذي تلاه السبيُ مرَّة ثانية. أما بالنسبة للنبيّ، فهناك أمران يجب أن يفهمهما المنفيّون في بابل، واليهود الباقون في يهوذا، وهما عدم إمكانيّة العودة بسرعة إلى البلاد، والسبب في العذاب الذي يحلّ بإسرائيل. يتوجّه حزقيال إلى المنفيّين مكذِّباً إدعاءاتهم (12: 1- 20)، قبل أن يستعيد تاريخ شعبه ليُظهر مسؤولية هذا الشعب في العذاب الذي يقاسيه. يشبّه ف 15 إسرائيل بالخشب اليابس الذي سيرُمى في النار، وف 18 يندّد بملوك إسرائيل، ومنهم يوآحاز الذي سُبي إلى مصر، ويوياكين المنفيّ إلى بابل (آ 4، 9). وبالمقابل، يتحدّث ف 16 عن الله الذي يعطي الحياة لأورشليم، ويتخذها زوجة. ولكن عطايا يهوه حُوِّلت لصالح آلهة أخرى. لذلك كان العقاب ضرورياً (آ 36- 43). يستعيد ف 23 الموضوع ذاته، ولكن من زاوية أخرى: إنّ التحالفات السياسيّة مع الأمم المجاورة دفعت أورشليم إلى البغاء. ونجد الأمر ذاته في ف 20، 21، 22. لذلك، فإنّ ف 17 يسجَّل في إطار يجرح النبيّ فيه تاريخ شعبه على ضوء كلمة الله. فصدقيا الذي أبرم معاهدة مع الفرعون ونقض أخرى مع ملك بابل، بدا خائناً، وكذلك الشعب تجاه الله.
3- البنية الأدبية
إن ابتداء الفصل مع آ 1- 2، يدلّ على النوع الأدبي في هذه الفقرة: "لغز ومَثَل". هناك تعبيران يُركّزان على دور كلام الله، ويحدّدان بنية الفقرة: "وكان إلي كلام الربّ قائلاً": يؤدي إلى اللغز (آ 1) وإلى تفسيره (آ 11). ويتردّد في النص تناسق وتناغم، من خلال التكرار الوارد في آ 3، 9، 19، 22، إذ تتكرَّر العبارة: "هكذا قال السيد الربّ". فيمكننا وصف بنية حز 17: 1- 24 كما يلي:
(أ) – آ 1
(ب) آ 3 – اللغز (آ 1- 10).
آ 9
(أ أ) – آ 11
(ب ب) آ 19 - تفسير اللغز (آ 11- 24)
آ 22
إن آ 24 التي تؤكّد ملء اكتمال كلمة يهوه تلخِّص المجموعة. والمجموعة من آ 11 إلى 24 معقَّدة التركيب. والآيات من 19 إلى 24 تستعيد لغة الآيات 12- 18، مركَّزة على اكتمال إرادة يهوه. بالواقع، إن الآيات 19- 21 تتوافق مع آ 12- 18، وتتحدّث مباشرة عن الموضوع ذاته، أي معاقبة ملك إسرائيل لأنه احتقر القَسَم وأخلَّ بمعاهدته مع ملك بابل ومع يهوه (آ 13، 15- 20). إنّ آ 22- 24، نظراً لمضمونها اللغوي، تتوافق مع آ 1- 10: الأرز، أغرسه، أغصان، قمر، ينبت، إلخ... وتتحدَّث الفقرتان عن تدخّل يهوه لصالح إسرائيل. لذلك فإن المقاطع 1- 10؛ 11- 18؛ 19- 24 هي متوازية فيما بينها بحسب البنية التالية:
(1) مقدّمة (2) الميثاق المنقوض (3) العقوبة (4) تدخل يهوه
الاستفهام بخصوصه لصالح إسرائيل
آ 1- 2 آ 3- 8+ 9- 10 أ آ 10 ب ؟
آ 11- 12 12 ب- 15 أ+ 15 ب آ 16- 17+ 18 ؟
آ 19 19 ب+ ؛ آ 20- 21 22، 24
4- المعنى واللاهوت
إنّ 17: 1- 10 هو لغز ومَثَل. إنه نوع حكمي توراتي موجّه إلى بيت إسرائيل (آ 2). وهذا النوع الأدبي يرمي إلى لفت انتباه السامع ليتّخذ موقفاً مناسباً.
إن المقارنة بين 17: 1- 10 و17: 11- 18 تلقي الضوء على قصد النبيّ. فالنسر العظيم (آ 3 أ) ليس. سوى ملك بابل (آ 12 ب). والأرز (آ 3 ب) يرمز إلى الملك المسبيّ إلى بابل مع أمراء البلاد (آ 12 جـ)؛ والكرمة المغروسة في مكانه (آ 5، 6) تعني "الزرع الملكي" الذي أقام ملك بابل معاهدة معه "وأدخله في قسَم" (آ 13- 14). والنسر الآخر العظيم (آ 7) الذي تمكّن من استمالة الكرمة إليه، يلعب دور الفرعون الذي أرسل إليه الأمير رسلاً ليتآمر ضد بابل. ولكن فسْخ المعاهدة مع نبوخذنصّر لعقد معاهدة أخرى مع مصر، لن يخلِّص صدقيا وشعبه من الاحتلال البابلي: "إنها تيبس في الأرض..." (آ 10 ب)، "وبعد أن فعل كل ذلك لا يفلت" (آ 18 ب)، "ولا يعينه الفرعون في الحرب" (آ 17). يندّد النبي هنا بتاريخ إسرائيل، وبخطيئة ملكها صدقيا. كانت نتيجة السبي الأول نفي الملك يوياكين وكبار البلاد إلى بابل؛ وسيحصل السبي الثاني قريباً (آ 18- 21)، ويكون أكثر جذريّة. والآيات 19- 21 تعلن تدخّل يهوه ليعاقب الملك ويرمي بنفسه الشباك لإرسال الملك إلى بابل، وإنقاذ مختاريه الناجين. بالفعل، إنّ المحن التي يقاسيها إسرائيل، هي، بحسب حزقيال، من فعل يهوه الذي يبقى سيّد الموقف (آ 19- 21 أ). الله يعاقب، ولكنه لا يبيد؛ وعقابه يهدف إلى أن يعرف الشعب أنه إله العهد. إنّ عدم أمانة صدقيا تجاه المعاهدة المعقودة مع ملك بابل، وردَّة فعل يهوه ضد هذا الانقطاع في العلاقة، أفكار موجودة في وسط المقطوعة: يهوه وحده هو المنقذ، وليست أيَّة معاهدة مع مصر. "إن كره مصر كان تقليداً يحفظه الأنبياء بغيرة (أش 11). وإذا كان حزقيال يشارك بهذا الكره، فإنّه يعطيه مبرّرات جديدة في المقطوعة النثرية التي تعبِّر عن الكلام النبوي الثاني" (آ 16- 17). إنّ آ 22- 24 تنفتح على المستقبل. فبعد إنزال العقاب والاعتراف بيهوه مجدَّداً، (آ 20- 21) لا ينفصم العهد بصورة نهائيّة، لأن الرب سيتدخّل بشكل معاكس لتدخّل النسر العظيم (آ 3- 6... 12- 14). وتؤخذ "غرسة غضَّة" (آ 22) من رأس الأرز العالي لتُغرس في جبل إسرائيل العالي، فتنبت وتنمو بحسب مشيئة يهوه. في الواقع، إن كلمة "غرسة غضّة" أو "غصن غضّ" في 1 أخ 22: 5 منسوبة إلى سليمان بن داود: "إنَّ سليمان ابني صغير وغضّ": ينتج مما تقدّم إن "الغرسة الغضة" ترمز إلى عودة سلالة داود. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه "الغرسة الغضَّة" تصبح أرزه عظيمة "يسكن تحتها كل طائر" (أخ 23). يستعيد دا 4: 7- 14، 19 المثل ذاته، مستخدماً التعابير نفسها، "الشجرة"، "الثمار"، "الظل"، "الأغصان"، "الطيور"، إلخ...
نضيف إلى ما سبق، نهاية المثل التي تتضمّن الصورة ذاتها: "فيعطيه من يشاء وينصب عليه أدنى الناس" (دا 4: 18 ب)، "أنا الرب، وضعت الشجرة الرفيعة، ورفعت..." (17: 24). في دا 4: 19 ترمز الشجرة إلى الملك نبوخذنصّر في أوج مجده. والتقليد ذاته في مت 13: 34- 35 ومر 4: 33- 34 يطبق المثل على المسيح "يسوع". بهذه الصورة يعلن يسوع بداية الحقبة المسيحانيّة، باكورة الخلاص.
إنّ لمعاقبة الشعب، بالنسبة للنبي، هدفاً: وهو الارتداد إلى معرفة يهوه (17: 21 ب). وبالتالي، فإن الزمن المسيحاني يأتي مع تجدُّد قيام سلالة داود: إن داود، الذي صار الملك المثالّي، هو النموذج الوحيد الذي على غراره سيدير المسيح المنتظر المملكة. وهذه المملكة "مدعوَّة، في المنظور النبوي، لتصبح هي أيضاً، نموذجاً دينياً. ان طاعة الملك لأوامر يهوه هي واجب رسّخه الأنبياء جميعهم. فمن الطبيعيّ جداً إظهار الملك النموذجي بصورة تلميذ مستعد دائماً لاستقبال كلام معلمه يهوه، بطواعيّة مثاليّة (17: 23؛ إِر 23: 3- 6؛ أش 9: 5- 6)".
إنّ آ 24 التي تتبع وصف الزمن المسيحاني الذي يرجوه النبي، هي مبنيّة بشكل تصالب، وتؤكد مجدّداً حضور يهوه الفاعل. والضمير "أنا" يتكرّر مرتين في مطلع الآية وفي نهايتها. وفي وسط الآية، أربعة أفعال في صيغة المعلوم، منسوبة مباشرة إلى يهوه، تؤكّد مقدرته على تنفيذ ما يريد وعندما يريد؛ كل شيء متعلّق به. والتعبير "فتعلم جميع أشجار الحقل أني أنا الرب"، يُظهر تماماً أن الزمن المسيحاني المشار إليه هنا سيتحقّق على الأرض دون إلغاء الممالك الأخرى. والفعل "فيعلم" الذي يدل على المستقبل، يعني أن الاعتراف بيهوه سيكون كونياً شاملاً. والعبارة "أنا الرب تكلّمت وفعلت" تقرن القول بالفعل، وتدعو الشعب إلى الوثوق بإله قادر على تنفيذ وعوده. قبل أن نختم كلامنا، من المناسب الإشارة إلى التوافق مع آ 14، من خلال الفعل "علم": "سيعلم المصريون أنني يهوه" (آ 4، 18). وبالتالي، لن تعلم الأمم الأخرى من هو يهوه إِلاّ بعد تحرير إسرائيل. وهذه هي العودة من المنفى. والرسم البياني اللاهوتي الذي يلي، سيجمع بعض محاور قراءَتنا:
أ- حدث تاريخي ب- قراءة التاريخ على ضوء ج- تدخّل يهوه يجعل
كلمة الله التاريخ غير مغلق
1- السبي/ التأسيس 1- إبرام معاهدة 1- القصاص= السبي
بواسطة ملك أجنبي مع ملك بابل. للمرة الثانية.
وليس بواسطة يهوه.
2- التآمر ضدّ الملك الأجنبي 2- نقض المعاهدة معه 2- معرفة يهوه من جديد
مع ملك آخر دون اللجوء ومع يهوه لإبرام معاهدة = الارتداد
إلى ظلّ جناحي يهوه. أخرى مع الفرعون
3- الخطيئة المقترَفة. 3- الإنتظار المسيحاني=
ستقوم مملكة إسرائيل
من جديد.
4- ملك جديد من سُلالة
داود، سيملك بحسب
مشيئة يهوه، سيد
كلّ شيء.