أ- الإطار التاريخي
قبل القيام بأية دراسة لحزقيال، لا بدّ من التذكير بالإطار التاريخي الذي يطبع نهاية مملكة يهوذا بطابعه.
في السنة 612، وقعت نينوى، عاصمة الامبراطوريّة الأشوريّة، في أيدي البابليّين والفرس- المادايّين. وبعد ثلاث سنوات انهارت دولة أشور بكاملها أمام هجمات هذين الحليفين. لقد خلقت نهايةُ هذه الامبراطورية فراغاً سياسياً في المنطقة، وانزعجت مصر من توسع القدرة البابليّة، فقرّرت التحرك. ففي السنة 609، مات يوشيا، ملك يهوذا، في معركة مجدوّ، بينما كان يواجه المصريّين الذين أتوا لمساعدة الأشوريّين (2 مل 23: 29 ي). مُسح يوآحاز بن يوشيَّا ملكاً، ولكن ما لبث أن خلعه الفرعون نكو الثاني وأخذه معه إلى مصر، ومات هناك (2 مل 23: 34؛ إر 22: 10- 12). وتجّنّباً للثورة ضد سياسته، أقام الفرعونُ يوياقيم ملكاً مكان يوآحاز، والملك الجديد هو ابن يوشيَّا البكر، وصارت يهوذا مقاطعة تدفع الجزية لمصر (2 مل 23: 33- 35).
في السنة 605، انتصر نبوخذنصر، ملك بابل، على المصريّين في كركميش، وخلف والده نبوفلصَّر الذي مات في السنة ذاتها. وصار يوياقيم حليفاً لبابل، وتحوّلت يهوذا إلى إمارة في الامبراطوريّة الجديدة، على غرار كل المقاطعات السوريّة- الفلسطينيّة الأخرى. ولكن، في السنة 601، تآمرت يهوذا مع اتباع مصر السابقين، ضد بابل، فهاجم نبوخذنصر المصريّين في الحال، ولكنه هُزم في مجدّو وخسر غزَّة. وتوقّف يوياقيم عن دفع الجزية السنويّة لبابل. وعاد نبوخذنصر، سنة 597، فحاصر أورشليم لإخماد الثورة فيها. توفيّ يوياقيم أثناء الحصار وخلفه ابنه يوياكين الذي استسلم للبابليين، فأسروه مع أفراد عائلته. وأقام نبوخذنصر متنيا، إبن يوشيا الثالث، ملكاً، وغيَّر اسمه إلى صدقيَّا (2 مل 24: 17- 18). كان هذا الأخير تابعاً لبابل، وملكه محصوراً في رقعة ضيّقة، لأن أهل يهوذا فقدوا قسماً من أراضيهم. وبدأ الأدّوميون يضغطون على يهوذا من الجنوب، في النقب، وعانت غالبيّة المدن ويلات الحرب. وللخروج من هذا الوضع الصعب، وجب "أن تكون المملكة حقيرة ولا ترتفع" (حز 17: 14). ولكن، في السنة 594 شكّلت موآب وعفون وأدوم، وصور وصيدون ويهوذا، حلفاً ضد بابل (إر 27- 29). حوالي السنة 588- 587 تسلَّم الفرعون خفرع الملك وفتح ذراعيه للثورة (2 مل 25: 1 ي؛ حز 17: 15- 17). فحاصر ملك بابل أورشليم من جديد؛ واستمر الحصار ثمانية عشر شهراً. فبدا أن الفرعون غير قادر على حماية حلفائه، وسقطت أورشليم في قبضة نبوخذنصر فأعمل النهب والتدمير فيها. واقتيد صدقيا وعائلته إلى بابل حيث قُتل أولاده وفُقِئت عيناه. ودُمِّر الهيكل وأسواره، ونُكِّل بالسكان. إن السنة 587 تؤَرخ نهاية مملكة يهوذا وبداية زمن المنفى الذي بدأت مؤشّراته سنة 597 مع اقتياد يوياكين إلى بابل. فماذا فعل حزقيال في غمرة هذه الأحداث؟
بعد أن أخمد نبوخذنصرّ ثورة يوياقيم واقتاد يوياكين إلى بابل، نفى كلّ أعيان البلاد إلى بابل أيضاً، وهم عُدَّة ألوف، من بينهم حزقيال. مع سقوط أورشليم سنة 587، عاش الشعب كارثة جديدة، حفظ حزقيال وإرميا صداها (14: 21- 23؛ إر 52). نُفي حزقيال سنة 597، فسكن في تل أبيب بين المنفيّين من أهل يهوذا (3: 15). في الواقع، أعاد المنفيّون تجميع أنفسهم بحسب عائلاتهم، في قرى قديمة. وكان لا بدّ، بسبب تشعُّب الأحداث، من نشوء مشاكل كثيرة. فكيف يمكن تفسير هذه الأحداث بالنسبة إلى الله؟ وبدون هيكل وملك وأرض، أي رجاء يبقى لشعب يهوه؟ ينطلق حزقيال، مثل كثيرين سواه، من هذه الغضة المقلقة ويحاول إيجاد الجواب. ولكن، من هو حزقيال؟