الفصل السادس والعشرون: سلاح الحرب الروحية

 

الفصل السادس والعشرون
سلاح الحرب الروحية
6: 10- 20

نحن في نهاية القسم الذي يتحدّث عن حياتنا الجديدة على الأرض (4: 1- 6: 20). تشدّدوا. إلبسوا سلاح الله الكامل. صلّوا كل حين في الروح. تعود هذه الصورة إلى العهد القديم الذي يصوّر الله متسلّحاً ليحارب أعداءه، أولئك الذين يزرعون الشّر في العالم. وهذا السلاح الإلهيّ الذي يشكّل وحدة لا تتجزّأ، قد قدّمته الفقاهة البولسيّة للمسيحيّين (1 تس 5: 8). كما نجد في خلفيّة هذا المقطع صراعَ أبناء النور ضدّ أبناء الظلمة كما عرفته جماعة قمران.
نقسم هذا المقطع ثلاثة أجزاء. تشدّدوا في الربّ (6: 10- 12). إتخذوا سلاح الله (6: 13- 17). صلّوا واسهروا (6: 18- 20).

1- تشدّدوا في الربّ (6: 10- 12)
أ- تشدّدوا. تقوّوا (آ 10)
كونوا أقوياء في الربّ. هذا الكلام يجد صداه في التوراة. ففي وضع حرج من حياة داود قيل ان "داود شدّد عزيمته في الربّ" (1 صم 30: 6). وسيقول النبيّ عن الشعب بعد أن جُمع من المنفى: "سأجعلهم أقوياء في الربّ" (زك 10: 12). ولكن فكرة القوّة الإلهيّة المعطاة ترد مراراً دون عبارة "في الربّ". فهناك التحريض ليشوع: "كن قوياً وتشجّع" (يش 1: 7؛ رج تث 31: 6- 7، 23). سنجد هذه العبارة مراراً في العهد القديم، وهي ستنتقل إلى العهد الجديد. قال بولس للكورنثيين: "إسهروا. إثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوّوا" (1 كور 16: 13). ونحن نجد صدى هذه الكلمات في أف.
قدرة الله القويّة التي بها يتقوّى أبناؤه. قوّة قدرته، عظمة قدرته. ذُكرت مراراً في هذه الرسالة. نقرأ في 1: 19- 20: "فرط عظمة قدرته المتجلّية في عزّة قوله التي بسطها في المسيح إذ أنهضه من بين الأموات". هي القوّة التي بها صلّى بولس من أجل قرّائه لكي يتقوّوا بروح الله في الإنسان الباطن (3: 16). وهكذا يدلّهم على الطريق الوحيدة التي بها تكون حياتهم ناشطة فتؤهّلهم لمقاومة قوى العالم التي تعادي كيانهم الداخلّي وجّعله يعارض الإنجيل.
نقرأ في روم 4: 20: "تقوَّى ابراهيم في الإيمان ممجّداً الله". كما تتحدّث الرسائل الرعائية عن القوّة التي يقدّمها الربّ. فقال بولس في فل 4: 13: "أستطيع كل شيء بالمسيح الذي يقوّيني" (رج فل 3: 10، 21: بتلك القدرة).

ب- "سلاح الله" (آ 11)
إذا أردنا أن نقاوم تلك القوى، لا تكفي قدرتنا الطبيعية ولا مقاصدنا. فسلاح الله، السلاح الروحيّ، هو ضروريّ. إن لفظة "سلاح" التي ترد مراراً في السبعينيّة، لا توجد إلاّ مرتين في العهد الجديد. هنا وفي لو 11: 21- 22 مع مثل الرجل المسلّح. "عندما يحرس الرجل القوي المتسلّح بيته تكون أمواله في أمان. ولكن إذا هاجمه رجل (هو يسوع المسيح) أقوى منه وغلبه، ينتزع منه كل سلاحه الذي كان يعتمد عليه ويوزّع ما سلبه". نحن هنا على مستوى السلاح الشخصّي الضروريّ من أجل الدفاع والهجوم.
"إلبسوا" (انديسستي). هذا فعل عماديّ (4: 24: تلبسوا الإنسان الجديد؛ غل 3: 27: إعتمدتم للمسيح لبستم المسيح). وهو يتوازى في اليونانيّة مع "تشدّدوا". إنه يدعو المؤمن أن يكون كالجندي المستعدّ للحرب. لقد جاءت الصورة مباشرة من العهد القديم. فإن حك 5: 15- 23 يصوّر تدخّل الله الذي يتسلّح ويسلّح خليقته ليقوم بالحرب الأخيرة "ضدّ أعدائه". "وسيأتي الكون ليحارب معه ضدّ الجهّال" (آ 20). هنا صارت الخوذة "حكماً بدون استئناف". والترس "قداسة الله التي لا تُقهر". والسيف "غضبه الذي لا يلين". الصورة هنا هجوميّة. وأما عند بولس فستكون بالأحرى دفاعيّة.
وقبل سفر الحكمة بدا أشعيا الينبوعَ الأول للرمز. في 59: 16- 18، نرى الحقيقة والعدل وقد خانهما البشر، وليس من يتدخّل. فقرّر الله، حين رأى غياب أخصّائه، أن يستعيد القتال، يمسك بأسلحة رُميت ساعة الهزيمة: العدل والحق والاستقامة. لا وسائل قتال أخرى إلاّ تلك التي سلّمها إلى البشر. وصارت هذه الأسلحة في يديه قوّة ملكه الصاعقة. وهذه الأسلحة، ها هو يردّها لنا.
نلاحظ في هذا النصّ "لباس الانتقام". إرتدى الربّ الغيرة كمعطف. ونتذكر مز 35: 1 ي: "هاجم يا ربّ مَن يهاجمني، وقاتل الذين يقاتلونني. أمسك ترساً ودرعاً وقُم إلى نجدتي. برمحك صدّ مَن يطاردني. وقل لي: أنا خلاصك".
ليس هناك من استشهاد مسيحاني مباشر في أش ولا في أف، ولكننا نتذكّر أش 11: 1- 5 مع صورة المسيح، الملك والراعي، الذي يضرب الأرض بكلمته، ويحيط به العدل والحق. ولا ننسَ أخيراً أن سياق أش 59: 17 يدلّ على خلاص اليهود والوثنيّين بحيث يربط أشعيا بين أف 2 وأف 5 (أش 60) وأف 6 مع أسلحة الله.
عرفت الفقاهة البولسيّة هذه الإستعارة التي هي على ملتقى خطّين رمزيّين: خطّ الثوب الذي هو صورة ترتبط بالمعمودية، والإنسان الجديد والتزامه الخلقي (كو 3: 12)، ودعوته الاسكاتولوجية (1 كور 15: 53؛ 2 كور 5: 3: إرتدى الخلود). وخطّ صراع الإيمان.
بدأ بولس فعاد إلى هذه الصورة منذ 1 تس 5: 8: "لابسين درع الإيمان والمحبّة وخوذة رجاء الخلاص". وكتب بعد ذلك في 2 كور 10: 4: "فما سلاح جهادنا جسديّ، بل إلهيّ قادر على هدم الحصون". وكان قد تحدّث قبل ذلك عن "سلاح الحق في الهجوم والدفاع" (2 كور 6: 7). وأخيراً عارضت روم 6: 13 "سلاح البرّ" بـ "سلاح الاثم". واقتربت روم 13: 12 من أف فجعلت عدّة الحرب في إطار "أسلحة النور". وفي إطار اسكاتولوجي مهيب نجد فيه السهر واللباس معاً، ألحّ بولس على المؤمنين بأن يلبسوا الربّ يسوع. فالنصّ يماهي بين الربّ وأسلحة النور. ففيه نستطيع منذ الآن "أن نسلك سلوكاً لائقاً، كما في وضح النهار" (روم 13: 13).
بدا نصّ أف موسعاً، وعاد إلى العهد القديم، فاختلف عن النصوص البولسيّة التي ذكرناها. ففي أف كما في حك وأش، هذه الأسلحة هي أسلحة الله. أمّا الخصم فهو إبليس (رج 4: 27: لا تتركوا لإبليس مجالاً). ترد هذه اللفظة فقط في 1 تم 3: 6، 7، 11؛ 2 تم 2: 26؛ 3: 3؛ تي 2: 3. ويتحدّث النصّ عن "مكايد" (ميتودايا) إبليس، عن أساليبه الملتوية. إنها أكثر شراً مما يستطيع أن يحوكه البشر.

ج- مصارعتنا هي (آ 12)
المصارعة (بالي في اليونانية. قرد هذه المرّة فقط في العهد الجديد) التي يتحدّث عنها بولس تحيلنا إلى عالم الرياضة (1 كور 9: 24- 27: الساعين في الميدان... كل مجاهد...). ونقرأ في عب 12: 1 ي: "لنسعَ بثبات في الميدان المفتوح أمامنا".
وهناك أولاً الخصم الظاهر: اللحم (الإنسان في وضعه البيولوجي) والدم (قوى الحياة). تدلّ العبارة على ما هو أرضيّ وزائل، تجاه ما هو إلهيّ وسماويّ (سي 14: 18؛ 17: 31؛ 12: 5). وتُبرز التعارض بين قوى الإنسان الطبيعيّة وما يتجاوز قوى الإنسان من عالم الشيطان أو من عالم السماء.
وبعد هذا يأتي العدوّ الحقيقيّ الذي يهاجمنا. وله أربعة أسماء: الرئاسات، السلاطين، ولاة عالم الظلمة، أرواح الشرّ.
وردت عبارة "الرئاسات والسلاطين" في 1: 21 (فوقها جلس المسيح) وفي 3: 10 (تجلّت لها حكمة الله). لقد صارت "الرئاسات والسلاطين" بجانب العدوّ. هي المرّة الوحيدة تصوّر بهذا الشكل. فإذا وضعنا هذه الآية (6: 13) جانباً، صارت أف مثل كو، وصارت القوى غير المنظورة جزءاً من الكون المخلوق، لا قوى شيطانيّة... ولكن يبقى أن ارتفاع المسيح يتواصل في الصراع ضدّ القوى. لم يعد القتال قتالَ الرأس وحده، بل قتال الجسد كلّه.
ثم يأتي "ولاة عالم الظلمة" بما لهم من قدرة في هذا العالم كما يقول يوحنا الإنجيلي. بدت الظلمة وكأنها شخص حيّ في كو 1: 13 (إنتزعنا من سلطان الظلمة) وتماهت مع القوى المعادية في 2 كور 6: 14 (أي مخالطة للنور مع الظلمة) حيث يسوع هو النور وبليعال هو الظلمة. لقد ارتبطت الظلمة بعالم الشيطان في يو 3: 19 (فضّل الناس الظلمة على النور)؛ 1 بط 2: 9 (دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب)؛ أع 26: 18 (فيرجحوا من الظلمة إلى النور)؛ أف 5: 8، 10- 14.
وأخيراً، أرواح الشرّ. هي في الفضاء، في السماوات. وهكذا تجعل هذه الآية "أرواح الشّر" لا في العالم السفلي؛ بل في العالم العلوي، في الفضاء الذيَ يفصل عالم الله عن عالم البشر، بحسب نظرة ستعرفها الغنوصيّة. كانت السماوات موضع البركة المطلقة (هذا ما لا شكّ فيه، 1: 3، 20؛ 2: 6)، فصارت موطن القوى الشرّيرة. في 3: 10، كانت موطن الرئاسات، ولكن هذه الرئاسة لم تكن معادية.
هذا هو الطابع الجذريّ للقتال. عبّر عنه النصّ أولاً بكلمات اسكاتولوجيّة: "يوم الفداء" (4: 30)، "الأيام الشرّيرة" (5: 16). يوم الشّر (6: 12). والآن نصل إلى كلمات كوسمولوجيّة، على مستوى الكون. لقد جُعلت هذه القوى في المكان الأسمى.

2- إتخذوا سلاح الله الكامل (6: 13- 17)
إن سلاح الله هو في يد أبناء الله. فليأخذوه ويستعملوه. "يوم الشرّ" (رج الدهر الشرّير في غل 1: 4) هو الحقبة التي فيها تسيطر قوى الشرّ، التي فيها يختبر المؤمنون عداوة الشرّير بشكل لافت. حينئذ تكون أسلحة نعمة الله وقدرته ضروريّة، فتساعد المؤمنين على المقاومة والثبات. "بعدما تمّمتم كل شيء"، أتممتم ما طُلب إليكم من واجب، يبقى عليكم أن تبقوا حيث أنتم ولا تتراجعوا مهما كانت الضغوط.
"إتخذوا" تقابل "إلبسوا". والمفعول هو "السلاح" في كِلا الحالين. أما الخصم فلم يعد يُذكر. بل نكتشف عمله حين نرى الظروف التي فيها يعمل "يوم الشّر". في 5: 16، كانت عبارة "الأيام الشّريرة" (في الجمع). أما المفرد فأبرز الطابع الجليانيّ. وحدّثنا 4: 30 عن رجاء "يوم الفداء". أما الآن فنحن في ساعة المواجهة، في يوم الشرّير بانتظار يوم الربّ. لا نجد هنا أي تلميح إلى الأحداث المعروفة في الأدب الجليانيّ مثل الحروب والزلازل والاضطهادات...
"إثبتوا" (آ 14). هكذا يصل الأمر "العسكري" إلى المؤمن. وتُصوّر الأسلحة بالتفصيل، فتدلّ كل قطعة على فضيلة أو موهبة إلهيّة. المنطقة (أو: الحزام) الذي هو الحق يعود إلى أش 11: 5 في الصورة المسيحانيّة لنسل داود. إعتاد العهد الجديد أن ينقل إلى المسيح صفة ينسبها العهد القديم إلى الله. أما هنا، فتنقل أف إلى الله صفة تُنسب إلى المسيح. في استعارة ارتداء الإنسان الجديد للملابس التي ننالها في العماد، كانت المنطقة هي المحبة كما في كو 3: 11: "فوق كل شيء إلبسوا المحبّة". نتذكّر هنا أن قطب "الحق" قد لوّن التحريض في 4: 21، 24، 25؛ 5: 9.
والقطعة الثانية في هذا السلاح هي "البرّ" (رج آ 11) الذي نلبسه كدرع. يعود البرّ مرّتين. مرّة في 4: 24 (يعني الموافقة مع مشيئة الله) مع معنى لاهوتي. وفي 5: 9 (صلاح، برّ، حقّ) في معنى خلقيّ. حين نكون ملتصقين بالله ننعم بأفضل حماية.
"إنتعلوا" (آ 15). هنا نعود إلى أش 52: 7 الذي استعاد نا 2: 1: "ما أجمل على الجبال أقدام المبشرّين، المنادين على مسامعنا بالسلام". ومن الرجْلِ نصل إلى النعل. ويجتمع هتاف المنادي مع عظمة البلاغ. هنا نتذكّر أش 57: 19 (رج زك 9: 10) الذي دوّى في أف 2: 13- 17 ساعة أنشد الرسول المسيحَ سلام العالم. "من شفتيّ تخرج ثمرة السلام. السلام للقريب والبعيد".
قالت أف: إجعلوا في أرجلكم "غيرة إنجيل السلام". هي البشارة التي ننقلها. وهي تدفع المنادي لكي يسرع. فالإنجيل هو ما يدفع الرسول لكي يحمل كلمة السلام:
"خذوا. احملوا" (آ 16). ومع سلاح الدفاع الملتصق بالجسد، يأتي الترس الذي يُحمل في الشمال ليردّ مختلف الهجمات حتى السهام الناريّة التي تحمل إليه الأذى. ثمّ، إن مثل هذه السهام قد لا تصيب الجسم، ولكنها تولّد الهلع فيرمي الجندي ترسه ويعرّض نفسه للخطر. أما "ترس الإيمان" فلا يكتفي بالتصدّي لهذه السهام الملتهبة، بل يطفئها. "سهام الشّرير" هي "مكايد الشّرير" وقد ذُكرت آنفاً. وأفضل دفاع ضدّها هو الإيمان بالله.
هنا يطرح سؤال. هل هو الإيمان بالله أم الأمانة لله؟ في 1 بط 5: 8- 9 حيث تُصوّر هجمات الشيطان بواسطة صور بلاغيّة (أسد زائر يجول حولكم، ملتمساً من يبتلعه)، ينصح الرسول بالإيمان كأفضل وسيلة للدفاع: "قاوموه، راسخين في الإيمان".
"إتّخذوا خوذة الخلاص" (آ 17). هذا ما يعود بنا إلى أش 59: 17. ليست الخوذة هي التي تخلّص، بل إنّ حمايتنا الرئيسية في الخلاص الذي يحمله الله.
والسلاح الوحيد الذي هو سلاح الهجوم هو "سيف الروح"، سيف نسمة الله. قيل عن الأمير الذي من بيت داود: "يضرب الأرض (وربما: الظالمين) بعصا فمه ويميت الأشرار بنفخة من شفتيه" (أش 11: 4). هذه النبوءة ستردّ عن الذي هو كلمة الله: "يخرج من فمه سيف مسنون ليضرب به الأمم، فيرعاهم بعصا من حديد". ولكن السيف يُستعمل الآن لا ليضرب الأرض أو يقتل الأشرار، بل ليطرد الأعداء الروحيّين من أمام شعب الله. كلمة الله هي كلّ كلمة تخرج من فم الله (تث 8: 3 كما في السبعينية؛ رج مت 4: 4؛ لو 4: 4. بهذه الكلمة ردّ يسوع هجمة الشيطان).
أجل، كلمة الله "تضرب". وفم "عبدالله" يبدو "كسيف قاطع" (أش 49: 2). وقال حك 18: 15- 16: "انقضّت كلمتك الجبّارة من عرشك الملكيّ في السماء على تلك الأرض، كمحارب شرس يحمل حكمك الصارم، كسيف قاطع". والسيف هو أيضاً في يد الرّب ليضرب لاويتان ويقتل حيّة البحر (أش 27: 1). ويقول أش 34: 5: "يرتوي في السماء سيفي وينزل بالعقاب على أدوم". ويتحدّث أخنوخ عن "كلمة الله التي تسكر في الدم". وفي عب 4: 12: "كلمة الله حيّة فاعلة، أمضى من كلّ سيف له حدّان، تنفذ في الأعماق إلى ما بين النفس والروح". وأخيراً يقدّم لنا سفر الرؤيا المسيح "والسيف في فمه" (1: 16؛ 19: 15).
وهكذا ينتهي تصوير سلاح الله. فالروح وحده يستطيع أن يجهّز أولئك الذين يواجهون هجمات الشرير. إنّ البشر يقاتلون عدواً أقوى منهم. ولكنهم يثقون بالرب الذي يجنّدهم ويسلّحهم فيجعلهم لا يخافون.

3- صلّوا واسهروا (6: 18- 20)
وهذا النداء الملحّ إلى الصلاة الذي تلهمه كو 4: 2- 4، يتبع استعارة السلاح. ويُوضع النداء في جوّ آ 10: "في الرب وفي قوّة قدرته". والروح يُذكر في آ 17 كما في آ 18. وأخيراً، حين يطلب الرسول السجين مساندة صلاة المؤمنين، فهو يدلّ على أنه يعيش أيضاً مواجهة مع "رئاسات وسلاطين".
هذا المقطع (آ 18) يشبه كما قلنا نصّ كو، ولكننا لا نستطيع القول إن كان أف يرتبط بكولسي أو العكس. فقد تكون الرسالتان استقيتا من ينبوع واحد. ثم إننا لا نجد فصلاً بين هذا المقطع (تحريض على الصلاة) والمقطع السابق حول مقاومة العدوّ الروحي. فصيغة الأمر هنا (صلّوا) هي في الواقع اسم فاعل: "مصلّين كل حين". وكذلك نقول عن "اسهروا": هي "ساهرين". نحن هنا في سلسلة أسماء الفاعل منذ آ 14: اثبتوا شادّين أحقاءكم بالحق، متدرّعين بالبرّ...
"مصلّين في الروح" يعني: صلاة تحت تأثير الروح وبعونه. قال بولس في 1 كور 14: 15: "إني أصلّي بالروح، ولكن أصلّي بالعقل أيضاً". لقد كان كلامه هذا جواباً على من ظنّ أنّ الصلاة بلغة لا تُفهم من قبل المتكلّم ولا السامع، هي صلاة في الروح! فهذا ليس معياراً عن قدرة الروح أن لا يفهم الإنسانُ المصلّي صلاته الخاصة. من جهة أخرى، هناك صلوات وتأوّهات القلب التي لا نستطيع أن نتمتمها لأنّها من عمل الروح كما يقول بولس في روم 8: 26: "وكذلك الروح أيضاً يعضد ضعفنا، لأننا لا نعرف كيف نصلّي كما ينبغي. لكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات تفوق الوصف".
لقد شدّد بولس في ممارسته اليوميّة وجّاه "مؤمنيه"، على ضرورة الصلاة المستمرّة. "صلّوا كل حين، كل وقت، في كل مناسبة". "صلّوا ولا تملّوا". هذا ما قاله لأهل تسالونيكي (1 تس 5: 17). وأكّد لأهل كولسي أنه "لا ينقطع عن الصلاة لأجلهم" (كو 1: 3). ورافق "الصلاة" "الدعاء".
وكما في كو 4: 22 بدت أهمية السهر ليبقى الإنسان مستعدّاً الاستعداد الروحيّ. اختلفت اللفظة في أف عمّا في كو، ولكنها جاءت شبيهة بما في التحذير في لو 21: 36 حيث ينبّه يسوع تلاميذه من الأزمة فيلحّ عليهم بأن يسهروا ويصلّوا "في كل حين لكي يقفوا أمام ابن الإنسان". ليس الطابع الإسكاتولوجي ظاهراً في أف وكو، ولكننا نلاحظ وجود السهر والثبات. ويطلب الرسول من المؤمنين أن يصلّوا من أجل القدّيسين (1: 15) أي من أجل المسيحيّين. إنها طريقة تدلّ على محبتهم لهم وتضامنهم معهم.
ومع التحريض على الصلاة "من أجل جميع القدّيسين"، يطلب بولس الصلاة من أجله في خط كو 4: 3- 4. إذا كان المحيط الحياتي لهذه الرسالة هو سجن بولس في رومة، بانتظار محكمة الأمبراطور، فهو يطلب الصلاة لكي يستغلّ كل مناسبة من أجل الشهادة للإنجيل في هذا الضيق الحاضر. وخصوصاً حين تأتي ساعة الشهادة أمام القيصر (أو أمام من ينتدبه): ماذا سوف يقول في هذه المناسبة وكيف سيقوله. لا أن ينجو من الأسر، إذ إن هذا الأمر هو أقلّ أهميّة في عينيه. المهمّ هو تقدّم الإنجيل في العالم الروماني. لقد جعل "السّر" الذي سلّم إليه في طريق دمشق معروفاً في المقاطعات الشرقيّة. وها هو الآن قد وصل إلى قلب الإدارة في رومة. أحسّ بولس بالمسؤوليّة تنتظره، فرحّب بها. وطلب صلاة المؤمنين لكي يتكلّم في جرأة فيعلن سّر الإنجيل.
عبرّ بولس مرّتين في هذه الصلاة عن رغبته أن تُعطى له حرّية الكلام ليجعل الإنجيل معروفاً. وحرّية الكلام هذه لا يمكن أن تنفصل عن حرّية الروح الداخليّة التي تؤهّله لكي يتكلّم لغة القلب فيصل كلامه إلى القلب (ويُفهم). إنّ حسّه بالحرية كان عظيماً، لأنه يعرف أنه لا يوصل تعليمه الخاص، بل تعليم الرّب. إنه ليس إلاّ سفيراً. أما المسيح فهو "الملك" الذي من أجله يتكلّم الرسول. هو رسول ولكنه في السلاسل.
هو سفير وهو مقيّد. نحن أمام مفارقة عن قيود لا تقطع الرسالة بل تجعلها تسرع. هنا نتذكر فل 1: 12 ي: "إنّ أحوالي قد آلت بالحري إلى نجاح الإنجيل، حتى صارت قيودي، في المسيح، مشهورة في دار الولاية كلها وسائر الأنحاء". سنجد هذه السلاسل في أع 21: 33 (أمر أن يوثق بسلسلتين)؛ 28: 20 (أنا موثق بهذه السلسلة)؛ 2 تم 1: 16 (لم يخجل من قيودي). ومع اللقب المعطى للرسول في أف 3: 1 (سجين المسيح) نحسق أنّ الكنيسة هي في وضع اضطهاد، أقلّه حين أرسل بولس رسالته. لهذا جعلت أف بين رسائل الأسر أو السجن.
هنا نعود إلى 1 تم 4: 17 فنجد الجواب للصلاة الواردة هنا: "بيد أنّ الرب وقف معي وقوّاني لكي أعلن الكرازة كاملة، بحيث تبلغ إلى مسامع الأمم كلّها". لا شكّ في أنّ "جميع الأمم" لن يكونوا هنا في المحكمة حين يدافع بولس عن نفسه. ولكن هذا يدلّ على الشموليّة التي يتوخّاها بولس. فما سيُقال بشكل عام في قلب الأمبراطوريّة، سيكون له صداه حتى حدودها البعيدة.

 

 

Copyright © 2018 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM

situs toto

situs toto

shiowla

shiowla

https://kalamariotes.gr/-/shiowla/

https://shantikuteer.org/

https://proletter.org/

shiowla

https://gidapp.bangkok.go.th/cibma/-/situstoto/

https://cockneyrejectsofficial.com/

http://imard.edu.vn/-/situstoto/

situs toto

situs toto

situs toto

situs toto

bo togel

situs toto

shiowla

shiowla

shiowla

shiowla

situs toto

shiowla

shiowla

shiowla

shiowla

shiowla

shiowla

situs toto

situs toto

slot88